ديـنـــــــار في الذاكرة ........ داود الرحماني
قبل عدة أيام قمت بزيارةٍ لأصدقاءٍ لي في جانب الكرخ عبر جسر الجمهورية مباشرة وعجزت عن إيجاد مكان لأركن فيه سيارتي فدخلت (الـﭙـارك) الوحيد المتيسّر وكان قريب من قبالة باب المنطقة الخضراء بعد ان (ماعت روحي) قبل ان أحشر راحلتي فيه.. بعد ساعة عدت الى (الموقف) واخرجتها بصعوبة لا أحسد عليها ..وعند البوابة التي لا باب لها أخرجت ورقة (برتقاليّه) من فئة 1000 دينار واذا بالجابي يطلب مني 2000 دينار كونها التسعيره الرسميّة لتلك الخرابه المحصّنه بسور سليمان!. سلمته الكاغدين وأنا أهزْهزهما بيدي ساخراً مندهشاً فسألني مستفسراً عن سبب دهشتي فأجبته :- وليدي أكُل ولا توَصْوصْ فالسالوفه طويله أطول من عمرك يا طويل العمر..علمت بعدها من صديقي الفنان التشكيلي المخضرم علي المندلاوي ان تسعيرة بعض المواقف تصل الى 3000 دينار! فأدركت ان التسعيرة تتناسب طردياً مع خطورة المنطقة و رقـيّـها وجشع الضمّان!. وفي طريق العودة (الذي هو اصعب من العودة الى أرض العرب السليبة!) عدت بذاكرتي الى نصف قرن وبالتحديد الى سنة1960وتأمّلت فخامة الدينار الرنّان لذلك الزمان ذو الأمان والحنان وكيف كنت أعيش في القسم الداخلي الجامعي في الوزيرية وكانت (خرجيتي) التي يبعثها لي والدي من العمارة (15دينار شهرياً) وهنالك من الطلبة من كان يكفيه 3 دنانير! حيث كانت الجامعة تطعمنا (مجاناً) ثلاثة وجبات يوميّاً..كنت أخصص ديناراً واحداً اسبوعياً لسهرة الخميس التي تبدأ من الساعة الثامنة مساء في (كافترية رومانس) الواقعة ضمن بناية سينما الخيــام تلك الكافترية الأنيقة (الأوربيّة الديكور) حيث لا وجود للكراسي (والميوزه) فالجلوس كان على الستولات ( داير حبِل ) حيث تقدَّم البيرة المثلجة والوجبات الباردة (النواشف)..كانت التسعيرة ملسقة على زجاجة واجهة الكافترية و بالخط الخشِن تقول :- بطل بيره ديانا أو فريده مثلّجه 170 فلس, معنى ذلك اني سأدفع 510 فلس ثمناً (لاٌكتراع) ثلاث قناني, أما صحن المقبلات فيقدم مجاناً, بعدها أطلب وجبة العشاء المتكونة من صحن ( إمْـشكّـلْ ) كبير من النواشف بسعر 130 فلس, يصبح مجموع ما أنفقته هو640 فلس... ننهي السهرة أنا وصديقي بمشاهدة أحد أفلام هوليود في سينما الخيـــام (الدور الثاني) وكان سعر تذكرة الدخول للدرجة الأولى ( الكلري) 130 فلس.
أضف الى ذلك 30 فلس ثمناً للكرزات ليقفز المجموع الى 800 فلس. ثم الى 950 فلس بعد ان نستقل سيارة تكسي الى الوزيرية بأجرة 300 فلس يدفع كل منا 150 فلس منها.. تنتهي سهرة الخميس دون ان ينتهي الدينار فلا زال في جيبي50 فلس (درهم ). وقد ضمّنت (قصيدة لي عن بغداد) بيتين بهذا المعنى عام 1998 قلت فيها :-
تبقه بغــــداد الوطن .. دار السلام
والخــدِشْ نِجْــليهْ وِ يْــشِع الرخـام
--------------- الى ان أقول ---------------
أذكـر الدينار بَـيّــــــــام الخميــــس
من أصَـرفه يْشكّـل اٌبْـجيبي اٌزدحام
أربع رْيالاتْ.. مِـيّه .. وْ دِرِهْـميـن
للفجِـرْ وُ بْـجيبي دِرهِـمْ مِن أنـامْ!
ولا بد لي من القول أن جميع عملات دول العالم قد هبطت قدرتها الشرائية مع التقادم والتطوّر وارتفاع الأسعار, ولكن ليس كما جرى لدينارنا العريق نتيجة الحروب منذ بداية الثمانينيات الى أن أمسى الدولار أفندي يعادل3000 دينار في بداية التسعينيات ( فَـطـاحَ حَـظـّـهُ! ) ... وحيث ان المُـذِل.. المنتقِم..القهّار..جلّ جلاله.. يمهـل ولا يهمـل ..فقد
(طيّحَ الله حظْ ذااااك اللي طيَّـح حظْ الدينار..ولو بعد حين).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق