مَسؤولْ .. وَ الغسّـاله .. والهَرَبُ
داود الرحماني.. شاعر
كـلّما أهـمّ في النظم أو الكتابة عن بغداد وعمّا جاء في قصيدة جورج جرداق (بغداد.. والشعراء.. والصوَرُ ) التي تغنت بها مطربة الأصبوحات فيروز تعترضني حوادث مفجعة وصلت بي الى الحد الذي جعلتني (في كل نظرة) أخطأ في قراءة عنوانها كونه لاينطبق على بغداد اليوم ولا قبل نصف قرن من اليوم فتارة أقرأه ( بغداد.. والتفجير.. والقَهَـرُ) وتارة (بغداد..والبلديّه..والزِبـِلُ) وأخرى (بغداد.. والطرقات.. والحُفَرُ) أو (بغداد.. والقنطرجي.. واللَفُـطُ) أو (ألدسّ.. والإعلام.. والخَبَـرُ) أو (بلوتنه.. بالنواب.. والحصَصُ) أو (ألجيش ..والبوليس.. والخَـرقُ) أو (الدِيـن.. والتكفيـر.. والدجَـلُ )...الخ من العناوين التى لا تبرح مخيلة العراقي السَـوِي حتى قاربت الأربعين و كل منها يصلح لأن يكون عنواناً لمقالةٍ نقديّةٍ ساخرةٍ!..مالعمل؟. فَبِـمَ و بماذا وبأيّ موضوعٍ مبهجٍ أكتب أو أنظم؟ وأين هو؟ ونحن(كنّـا ولا زلنا) في زمن ( بغداد.. والشعراء.. والهَـرجُ!)
وداعيكمُ البطران يبغي التَـنَـدّرا
بما يُبهج المهموم والمُـتَـكَـدّرا
وبينما انا كذلك فإذا برواية كاريكاتيرية جاهزة تعرض أمامي على شاشة التلفزيون تحمل جميع مقوّمات مقالة النقد بحيث جَـبّتْ جميع ما قبلها من صور سوداوية كانت تملأ ذهني ناهيك عن غرابة عنوانها:-
( مسؤول .. والغسّاله .. والهـرَبُ )
فقلت:- طُـززز بجورج جرداق وصورهُ وَ لأكتب بما أشاهده.
عنوان الرواية:-هروب عبر المرافق الصحية.. الزمان :- زمن العجايب.. المكان :- سجن حصين في صلاح الدين... التاريخ :- الجمعة 25 أيلول 2009.. الوقت :- الساعة العاشرة والنصف مساءً بالضبط.. موقع العرض :- فضائية الحره عراق.. الراوي :- محافظ المحافظه حفظه الحفيظ.
قال الراوي ياساده يا كرام (وقد شاهدته بأم عيني وسمعته بأخت أذني) وهويقول بما معناه :- انه في يوم كذا وساعة كذا تمكن 12 سجين من الهرب (بالجمله) عبر حمام السجن أو (مرافقه الصحيّه) حيث امتطوا الغسّالة وكسروا قضبان الشباك الحديدي الذي يعلو مترين (وتَشلبَـهوا) ونفَذوا الى باحة السجن واختفووووا !.. ولم يقل بقدرة قادر...الخ من الشرح الذي لا يفسد في الود قضية..فإن كنت ياسيدي المحافظ مقتنعاً بهكذا رواية (فتلك مصيبةٌ), وبخلافه, فلماذا لم تقل لنا بأنك غير مقتنع بها؟ وهنا تكمن..(المصيبة الأعظمُ؟). فإن صحّت الرواية وإن حمام سجن (تكريت) يحوي غسّالة كهربائية بين ظهرانيه؟... فلابد لحمام سجن جزيرة (كريت) الساحرة أن يحتوي على خط ساخن للانترنيت!.أما موضوع كسر القضبان فتلك حكاية لم يجرأ على اتيانها (الكونت دي مونت كرستو) أشهر سجين هارب في تاريخ الروايات. لذا أعتقد أن السجناء أعلاه قد استخدموا المناشير والمطارق المزوّدة بكاتم الصوت لقطع و(تعقيج) وقلع القضبان! ولا غرابة في ذلك فالكاتم هو ديدن ما يدينون به.. أو ان جميع الخفراء من حرس السجن كانوا في تلك الساعة وبالصدفة (طرررررشان). وإلاّ فكيف يتسنى لي سماع صوت ارتطام استكان الشاي بالأرض في مطبخ جارنا وأنا في حديقة داري؟.أو ان القضبان كانت مصنوعة من (شياش التِـكّه)!. ياناس كفانا الأفلام الهندية وكفى حكاية ذلك المسّاح الهندي الذي يقابل الكردي القرَوي البسيط في عشرينيات القرن المنصرم ويسأله بالانكليزيه عن اسم قريته فيجيبه الكردي الطيب ( نَـزانـمْ ) وتظهر خرائط المسح الطوبوغرافي لكردستان وعليها عشرات القرى بإسم (نزانم)..فالهندي اليوم أنتج القنبله الذرية... أما الكردي فقد جعل من اقليمه إنموذجاًللديمقراطية الممكنة في العالم الرابع وواجهة للتقدم الحضاري العراقي ( وَيحَـنّصنا) بالوحدة والتكاتف والإستقرار في منطقته, والسبب الوحيد في بقائه تحت خيمة العراق هو استحيائه من التنكر لماضٍ طويلٍ كان فيه صنواً للعراقي في جميع المحافل وتلك شيمة كل من يحترم (العيش والملح)... ولكن..؟ الى الحين الذي (سَيـَبْـْزَعْ) يوماً وحتماً ممّا نحن فيه وعليه من مهازل الفرقة والتفرقة.
أعود ثانيةً الى الأخ محافظ صلاح الدين وأرجو منه الظهور مجدداً على الشاشة ومعه طاقم ممّن يمثلون لنا كيفية هروب السجناء وليجعل من نفس حمام السجن وغسّالته موقعاً للتصوير ومسرحاً للعرض فيما إذا أراد فعلاً اقناع العراقيين بمعقولية روايته. والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق