حقيبة في الطائرة ... و حقيبتان في الذاكرة
داود عبدالرحيم الرحماني
بينما كنت أتفحّص الإيميلات التي تصلني على الانترنيت استوقفني إيميل مرسل من صديقي الدكتور معروف الجلبي (عالم الباراسايكولوجي المخضرم) يحتوي على موضوع بقلم السيدة سوسن العبايجي.. صَـعُبَ.. ثمَّ .. سَهُـلَ عليّ هضمه واستيعـابه! تتحدث فيه عن حـدَثٍ عايَـشَـتْه بنفسها أثناء وصولها الى مطار بغداد قادمة من دبي على احدى طائرات الجوبِتر..الموضوع يسلط الضوء على ( مافيـا ضلاميّه منظّمة) تعشّش في المطار تحت أو خلف أو أمام أنظار السلطات الرقابية... تقوم تلك العصابة بإخفاء الحقائب (الحبلى) للمسافرين وإيهامهم بأنها لم تشحن معهم وَوَوَ..الخ من الأعذار الرخيصة رخص مبتكر تلك (الفيكه) ولا غرابة في ذلك! فأشاوس الحواسم يسهل عليهم ولوج الصغائر بعد أن تلوّثوا بالكبائر... تبدأ الكَـلَكات المطارَوّيه بعد أن ييأس المسافر من العثورعلى حقيبته التي ينتظر انزلاقها على الحزام السيّار...هنا ترفع ستارة المسرح و يتقدم أحد أصحاب الذمم! متأسفاً مواسياً.. ناصحاً المسافر بمراجعة مكتب شركة جوبِـتر في المطار لتسجيل البيانات الخاصة بالحقيبة في سجل الكلاوات...عفواً...المفقودات ويخبره بأن ماحدث له يحدث يومياً وفي كل مطارات الدنيا..ويعطيه رقم هاتفه لغرض الاستفسار منه عن وصول الحقيبة... يستسلم (اﻠﻤﮕﺭود) ويثق مجبراً بكلام فاعل الخير هذا.. ثم يتوجه الى مكتب شركة جوبِـتر داخل المطار( وهنا يبدأ الفصل الثاني من مسرحية الإبتزاز)... حيث يطمئنه موظف الشركة ويعطيه رقماً لهاتف شخص يدعى (عـدي) عليه الإتصال به .. وانشاء الله ستصل الحقيبة مع الرحله القادمة من مطار المغادره فليس هنالك من حقيبةٍ تفقَد في هذا الزمان الرنّان المملوء بالأمان والحنان وثمن الإنسان ( وَ أمان يَـلَـلَـلّي أمان ) وتجري الأتصلات المتبادلة ويستبشرالمسافر بخبر وصول حقيبته ويتفاجأ بـ (عـدي أفندي) يعطيه رقم هاتف نفس الشخص (فاعل الخير) على انه المسؤول عن تسليم الحقائب! وعلى الهاتف يسأله فاعل الخير (الخيِّـر) إن كان يرغب بالمجيئ الى المطار ليستلم (جنطته) أو يقوم هو بإيصالها إليه؟!.وكلاهما يعلم زحمة وكلفة الرحلة ذهاباً وإياباُ الى ومن المطار.. يستفسرالمسافرعن كلفة إيصال الجنطه إليه؟ ويأتيه الجواب:-50 دولار. ويستسلم أخونه ثانيةً..وتصل الجنطه..وَ طُـزْ بالشرطه.. والسلطه .. فليس هنالك من غلطه..ولا نحن في مجلس النواب لنضع فوق النظام نقطه..ولا من مسؤول يمعمع صخل جوّه أبطه..وخلّوهه صنطه. وهكذا يسدل الستار على هذه المسرحية التي تعرض على مسرح مطار بغداد الدولي كل يوم وعلى مدار الساعة!...انتهت السالوفه.. ولو بيتنا ﮔﺭيب لأجيبلكم طبـﮓْ حمص وطبـﮓ زبـيب..والإشاره تكفي اللبـيب..وماكو بيناتنا غريب. وتعود الجنطه..كعودة القضاء السليب بحكمة الأوحد الحبيب وعبقرية الفارس المهيب.!.. وتختتم السيدة سوسن العبايجي مقالتها المؤلمة بقولها :- تحيّـةً لـك يا عـدي فإنـك إسمٌ على مسـمّى؟
هذه المقالة...عادت بي ثلث قرن الى الوراء وتحديداً الى تموز عام1976حيث (وَ كَّـرْ نا) أنا وزوجتي في مطار(تورونتو _كندا) قادمين من باريس على خطوط طيران Air Franc
الفرنسيه أيام انعقاد دورة مونتريال الأولمبيه...وتفاجأنا بعدم وصول احدى حقائبنا! والأخرى مطعوجة معووجه! (وتْحارَش البَيْنْ باٌبنِ النايحه!)..اصطحبونا الى مكتب الخطوط الفرنسية بكل احترام وبوافر عبارات الاعتذار والتطمين.. بدأت المباحثات حيث سلّمونا كتاب موجّه الى محل لبيع الحقائب لغرض استبدال الحقيبة المطعوجة بأخرى جديدة .. كذلك ملأتُ استمارة بمعلومات عن الحقيبة المفقودة وتركوا لي حريّة تقييمها , وكانت تحتوي على قطعتين من (المرعز) مع وثائق مدرسية قديمة جداً تخص أخويَّ المقيمين في كـندا أوصاني والدي بإيصالها إليهما بالإضافة الى حاجيات أخرى ليست ذات قيمة تذكر.. كان تقييمي للحقيبة ومحتوياتها هو 3000$ فقد اقتنعتهم بأن مافيها من وثاثق لا تقدر بثمن, وأبلغوني بانهم سوف يعوّضوني بـ 75 % من المبلغ حسب اللوائح في حالة عدم العثور عليها خلال اسبوع..وأوصلتنا سيارة الشركة الى الفندق السياحي الذي أخترناه بمساعدتهم وكان اسمه Warwick Hotel في اليوم التالي قصدنا العنوان لاستبدال الحقيبة المطعوجة فاستقبلنا صاحب المحل وترك لي اختيار الحقيبة البديلة فاخترت حقيبة من الجلد الفاخر فأخبرني بأن قيمة حقيبتي لا تتناسب مع قيمة هذه الحقيبة حيث كان مثبت عليها السعر95$.. دخلنا في جدال أفهمته فيه بأن حقيبتي وان كان عمرها 15سنة لكنها ثمينة وهي هدية عزيزة من والدي..فابتسم بسخرية وقال (فيما معناه باللهجة العراقية):- يابه إنت جاي تتحاجج ويّامَـنْ؟ تره أجدادي ﭽﺎنوا يتاجرون بالجلود ويّه الهنود الحمر؟! أخيراً اتفقنا على أن أعطيه 15$ فرق السعر وكلانا يعلم أن حقيبتي لا تساوي 10$..أخذ توقيعي على استمارة خاصة وودعني ببشاشة.. لِـنعد الى الحقيبة المفقودة التي وصلت في آخر يوم من مهلة الأسبوع .. فقد تركنا الفندق لثلاثة أيام حيث سافرنا لحضور بعض فعاليات دورة مونتريال ثم تركنا الفندق ليومين آخرين قضيناهما على شلالات (نَياﮔـرا) الشهيرة وكان اليوم هو14 تموز وشاهدنا الفرنسيين وهم يحتفلون بعيدهم الوطني على الجانب الكندي من الشلالات بلا هتافات ولا لافتات ولاهوسات ولا إطلاقات.. ولا إعدِم ولا إصدِم ولا إهدِم .. ولا فَجِّـر ولا هَجِّـر.. ولا بالروح بالدم .. نفديك يَـمْصَـخَّمْ.. ولا ولا ولا شيئ من تلك الخنفشاريات التي أوصلتنا الى ما نحن فيه وعليه .
من مدينة الشلال (هامِلتُن) اتصلت بفندقنا بـ ( تورونتو) أسأل عن الحقيبة فأخبروني بأنها قد وصلت (مع الأسف !؟)..استلمتها في اليوم التالي مع رسالة اعتذار وحقيبة رياضية جميلة هدية من الخطوط الفرنسية وأخبروني ان حقيبتنا(وعلى نفس الطائرة) قد زارت لوس انجلس وعادت برحلة طويلة الى سدني ثم الى تورنتو مجدداً (طير جَـلِد!)... تلك الجنطة اللئيمة التي حرمتنا من تعويضٍ قدره (2250$) كان يمكننا بواسطته (في السبعينيات) ان نسوح شهراً إضافيّاً في ربوع كـندا.. وكان زمـــان... يا طـيران .. جوبِـتَر!.
الرحمــــــ داود ـــــــــأني
drahmani2oo4@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق