من أمسيات المجالس الثقافية البغدادية .. (1)
داود عبدالرحيم الرحماني
كانت أمسيات .. أمسيات جميلة منعشة حقـّـاً تلك التي كانت
تـنعـقـد على مدار الاسبوع في منتدياتٍ وبيوتاتٍ عامرةٍ بأصحابها وروّادها وأعمدتها
من أعلام الفكر والعلم والشعر ومنهـا ما
كانت تستمر الى ساعات متأخرة من الليل.
وفي
واحدة من تلك الأمسيات الثقافية الحالمة وتحديداً في مساء الخميس 16 تشرين2 عام 2000
وفي مجلس آل الشعَـرباف العريق في الكرادة الشرقية كانت المحاضرة للدكتور نجاح كبّـه
تحدث فيها (من ضمن ما تحدث) عن الذكـاء وأثبت بالأمثـلة والوقائع أن الحمار (الذي
يعتبره الناس بليــداً) هو أكـثر ذكاءً من الفـأر الذي نعتبره فطِن أو (لوتي).
وأردف المحاضر قائلاً:- ان مشكلة الحمار تكمن في برودة طبعه وبطـئه في استلام و
ردّ الفعـل.. فما كان مني إلاّ أن قاطعت المحاضر وبصوت جهوَري دون تفكير قائلاً :-
خيعونه وخيعون اللي مثله بهَالوكت؟ وإذا بالصمت يطبق على الحضور وكأن الطيور على
رؤوسهم قد عشّـشت؟.ولهم الحق في ذلك فقد كانت مجالسنا الثقافية لا تخلو من وكلاء
للأمن من بين الجلاّس ومنهم نخبة من المثقفين والأساتذة والشعراء مع الأسف! وجميعهم مشخـّـصون ومنهم من هو الآن في بحبوحة
من العيش الرغيد في العراق! ومنهم من فضّـل العيش في الدول العربية حيث الأجواء
مهيأة ويتباكى المسكين من هنااااك على الشعب! وبعـد انتهاء الدكتور من محاضرته
القيّمة بدأ المايكرفون يـدور على المتداخلين من الحضـور وتكررت عبارة (حشه السامع)
لعشرات المرّات حيث ان المتداخلين قد
ركـّـزوا على موضوع الحمار .. إلى ان وصل المايكرفون لي كنت قد نظمت خمسة أبيات من شعر العامية كي أتداخل
بها مع المحاضر وقبل أن أبدأ بإلقائها سألني د.حميد هدّو هامساً مازحاً :- خو ما بـيهن
سياسه ؟ حيث أن الجميع يعلم أن شعري لا يخلو من تلميحاتٍ ونقـدٍ سياسيٍّ ساخرٍ مسَـلـفـَـنٍ؟.
فأجبته مازحاً أيضاً :- إسمعهن يا خويه و برأيي الشخصي ( بيهن نص سياسه)..باشرت بإلقاء
تلك الأبيات التي ابتدأت بعبارة (حشـه السامع) التي جعلت منها عنواناً لتلك الأبيات..قلت فيها :-
---------
حشه السامع --------
حـَـشه اٌلسامِـع ...
شِــفِـتْ لِـحـمار مـرتـاااح
دِرَكـهَــاٌ وْ لا خــسا
ره اٌ تــْــشِغــْــله وَربـاح
أ َخـَـيـر اٌمْنِ اٌلــيــِـصيـد
وْ بـا ت يـِـنــصـا د
وْأخـَــيْـر اٌمْـن ِ
اٌلـتِـهِمْــله الناس ... لو طــاح
وْ أخـَــيْر اٌمْـنِ
اٌليـِهـِمْ بِحْـقـوقِ لِـنـْـــسا
ن
وْ أ خـَــيْـر اٌمْـنِ
اٌليــِـداوي اٌ لراح ... باٌ لـراح
وْ أ خـَـيـر اٌمْــن
ِاليـِـظِــن أشـعاره تِـشــفـيه
إذا هـاجَــن عَـــليـه
باٌ لـلـيــلِ ... لِـجـــــــراح
شِـفِـــتْ أَشعــاري
ﭽَــن خـبــزات لِــرﮔـا ﮒ
مَـتِصـلَح دِ رﮔـﻪ
تِـشـﮕــُــفْ طَـعـنِ لِـرماح
---------------------
بعد
الانتهاء من مداخلتي الشعرية قال لي الدكتور
حميد هـدّو مازحاً أيضاً :- لا هـوايه مـا بـيهـِـن سياسه... وَعــدّت الأمسية كأخواتها
من أمسياتنا الثقافية المرصـّـعة بجواهر الأشعـار والمطعـّـمة بحلو الأحاديث والمعطـّـرة بالنفيس من الآداب والعلوم والمساجلات الشعرية ...
لقد كانت أمسـياااااات.. أمسياات لا يأبه و لا يعبأ مرتادوها لحضور وزيرٍ أو نائب
أو أيّ مسؤول حكومي ولم تكن تحت رعاية وكيلٍ لِوزارة أو مدير عام من مدّاحي سلطان
السلطة الغابرة ولا بأمينٍ من الأمناء فلا ( قاسم نافوره) ولا (عدنان فلـكه ) ولا ( صابر جَـزره ) يثير
اهتمامهم بحضوره أو يؤثر على طبيعة ومجرى أحاديثهم الجريئة ( أحياناً ) والمرتجلة !
... لـقد كانت أمسيااااااات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق