شارع في الذاكرة
مَـلـَـكي - جمهوري .......... معارف - تربية
خلال أربعينيات وخمسينيات القرن السابق كان هنالك في العمارة معلـّـماً من أخوننا المسيحيين الأفاضل يدعى ( سعيد مَلَـَـكي ) متزوج من معلمة فاضلة تدعى ( الست فكتوريا ) ولهم ابنة وحيدة اسمها ( ناديه ) وكانوا من بين سكنة شارع المعارف وكنت أعرفهم جيداً فهم من روّاد دار السينما التي شيدها والدي المرحوم الحاج عبدالرحيم الرحماني عام 1951 و من زبائن مكتبتـنا ( العصرية ) ....عائلة ملكي الكريمة هذه نقلت سكنها من العمارة الى بغداد عام 1959 بعد ان التحقت ابنتهم للدراسة في كلية البنات الملغاة - كلية الملكة عاليه سابقاًً – جامعة بغداد.
وعندما تم تغيير النظام الملكي الى جمهوري تبدلت كافة الأسماء المكنـّـاة بالملكيّــة ( فالحرس الملــــكي أصبح الحرس الجمهوري والمستشفى الملكي أصبح المستشفى الجمهوري..الخ)..وإذا بأحد العماريين الظرفاء (وما أكثرهم) يقترح على الأستاذ سعيد ملـكي قائلاً له :- بس انت يا أستاذ أبو ناديه بقيت ملـكـي ! .. فـلماذا لا تغيّر اسمك الى ( سعـيـد جمهوري؟ ) . فأجابه الأستاذ سعيـــد :- إي قابل آني مستوصف ملكي لو قوة جويّه ملكيه.. لو سلام ملكي هذا هو اسم عائلتي...تلك المحادثة كانت برمتها ملاطفة بين ذلك العماري الظريف الساخر والأستاذ الفاضل سعيد ملكي..وقد جعلتُ منها باباً أدخل من خلاله الى موضوعنا الأساس وهو الحديث عن أشهر شارع في مدينة العمارة( شارع المعارف -التربية حاليّاً ).
لــم اعثر على مصدر موثوق أو غير موثوق يؤكد ان مديرية المعارف ( وعلى مَرّ العقود ) كانت تقع ضمن مسار هذا الشارع لكي يسمّى باسمها كذلك لم أعثر على تاريخ تسميته بشارع المعارف فقد كان يعرف في العهد العثماني بشارع( التـكيه) والغالب( كما أعتقد) ان هذا الاسم اطلق عليه في أواخر عشرينيات القرن المنصرم ..وقد بقي هذا الشارع على مدار العقود أرضاً خصْـبة لغرس المعرفة والثقافة فقد احتوى المكتبات والمدارس وصالونات الحلاقة والدكاكين التي كانت ولا تزال ملتقاً للمثقفين وأهل المعرفة وقد شيّدت عليه اول مكتبة أنشأها عبدالرحيم الرحماني عام 1920(بـِـلا إسم) ثم حوّلها الى موقع آخر وبنفس الشارع سمّيت بالكتبة العربية مشاركة مع السيد عبدالمطلب الهاشمي عام 1928 وفي سنة 1929 سميّت بالمكتبة العصرية لصاحبها عبدالرحيم فقط . وتشغل موقعها حالياً مكتبة المعارف ( لصاحبها حسام محمد الرحماني قبل ترشيقها بسبب توسيع الشارع) .. ثم نقلها عام 1950 الى موقعها الحالي في تقاطع شارع المعارف ( التربية ) مع السوق الكبير ومالكها الحالي هو الحاج حيدر حسين داود ( ربـيـبها البار). ثم افتتح الشيخ مرزه الأنصاري (في الأربعينيات) مكتبة النجاح وقبالتها افتـُـتِـح مخزن الأخوين شاكر وابراهيم الهاشمي الذي تطور الى مكتبة أيضاً في النصف الثاني من الخمسينيات بعد انتقاله الى موقعه الحالي ( مقهى مِنشد سابقاً ) وحلت محله بعد تغيير النظام الملكي عام1958مكتبة اتحاد الشعب( مكتبة الحزب الشيوعي ). كما كان الشارع يحتضن كافة عيادات الأطباء والصيدليات ومكاتب المحامين والمطبعة الرحمانية التي انشأها عبد الرحيم أيضاً سنة1941( في خان توينه) وألحقها بمكتـبته ( العصرية ) عام 1951...كما كانت تقع على ثلاثة أركان من تقاطعه مع شارع بغداد العريق 1- صيدلية هنري لوقا التي شغلت موقعها مكتبة الأهالي ( مكتبة الحزب الوطني الديمقراطي ) . 2- دائرة البريد 3- مقر جمعية الطليعة للتمثيل ... كما كان في الشارع ستة مدارس عريقة هي 1- مدرسة الإمام الصادق الابتدائية للبنين 2- مدرسة فيصل الثاني للبنين 3- المتوسطة المركزية للبنين 4- ثانوية العمارة للبنات التي شيدت عام 1935 كمتوسطة للبنات. 5- وقبالتها كانت تقع ابتدائية الفيحاء للبنات ومسرحها العتيد أول مسارح المدينة ( المشيّد مع المدرسة في ثلاثينيات القرن الماضي ). 6- وأخيراً وفي آخر الشارع وقبيل تقاطعه مع شارع دجله تلتقيك مدرسة النهضة الابتدائية للبنات التي كان الدوام فيها ( صباحي – مسائي ! ) بالاضافة الى تواجد باعة الصحف والمجلات المتجولين بين ظهرانيه.
ان كل ما جاء أعلاه جعل من شارع المعارف بلـّـورة مشعّة للمعرفة والثقافة ومنتداً رحباً للمثقفين وطلاب الحَرف والقلم والقرطاس..ولعَمري أنه قد استحق ذلك الاسم كما يستحق إعادته إليه كإسمٍ على خـيـــر مسمّى ... شـــــارع المعــــارف .
نعــود الى بيت القصيد في حديثنا هذا..ألا وهو الجدوى من تبديل اسمه المعبـِّـر عن جوهره الى تسميته الحالية ( شارع التربية) تناغماً مع تبديل اسم الوزارة ومديرياتها من (المعارف الى التربية) بعد عام 1963.. وكأن الأيام قد عادت لنستعيد حكاية الأستاذ سعيد ملكي ولكن مع استاذ جليل آخر هوالأســـتاذ ( أحمد الناصر) ذلك الموظف الأريحي المخضرم القدير الذي قضى حياته الوظيفية كلها في مديرية معارف لواء العمارة الى أن تكـنّى بها واصبح يدعى من قبل جميع العماريين آنــــــذاك بـ ( أحمد معارف )..ان الخوض في حكاية الأستاذ أحمد معارف لا تحتاج الى اسهاب فهي مشابهة لحكاية الأستاذ سعيد ملكي حيث بقي اسمه كما هو (احمد معارف) ولم يتغير ولم يناديه أيّ من ابناء العمارة يوماً ما بـِ ( أحمد تربيه) ولم يصدر بحق تغيير اسمه أي ( مُـرْ.. سوم جمهوري) أو قرار من أحد مجالس قيادة (الثــُـورْ..آتْ) أو مجالس ( البَـله..ديّـات ) السابقات.
والآن ومن أجل إعادة الفروع الى الأصول أناشد السيد محافظ العمارة ومجلس المحافظة وأهاليها الكرام جميعاً ان يعيدوا النـظر في تسيمة هذا الشارع التراثي الرشيق ويعيدوا إليه اسمه العـتـيد ( شارع المعارف ) والغاء تسميته بشارع التربيه . فأهالي مدينتي الأفاضل ليسوا بحاجة الى تربية بقدر احتياجهم الى المعرفة فلا تربية بدون معرفة .. وليس هنالك من شخص او مجموعة او شعب او أمة وصلت الى تمام المعرفة ... فالمعرفة بحر ... لا بل محيط ليس له نهاية منظورة.. وكلي ثقة من ان اصحاب القرار من أبناء بلدتي يدركون جديّة هذا الـنــداء العاجـل
( وَ كـلـّـهُـمُ حيــــاة لِمَـن يُـنادي )
فهُـم أحرص مني على إحياء تراث مدينتنا الحبـيبة...
مَـلـَـكي - جمهوري .......... معارف - تربية
خلال أربعينيات وخمسينيات القرن السابق كان هنالك في العمارة معلـّـماً من أخوننا المسيحيين الأفاضل يدعى ( سعيد مَلَـَـكي ) متزوج من معلمة فاضلة تدعى ( الست فكتوريا ) ولهم ابنة وحيدة اسمها ( ناديه ) وكانوا من بين سكنة شارع المعارف وكنت أعرفهم جيداً فهم من روّاد دار السينما التي شيدها والدي المرحوم الحاج عبدالرحيم الرحماني عام 1951 و من زبائن مكتبتـنا ( العصرية ) ....عائلة ملكي الكريمة هذه نقلت سكنها من العمارة الى بغداد عام 1959 بعد ان التحقت ابنتهم للدراسة في كلية البنات الملغاة - كلية الملكة عاليه سابقاًً – جامعة بغداد.
وعندما تم تغيير النظام الملكي الى جمهوري تبدلت كافة الأسماء المكنـّـاة بالملكيّــة ( فالحرس الملــــكي أصبح الحرس الجمهوري والمستشفى الملكي أصبح المستشفى الجمهوري..الخ)..وإذا بأحد العماريين الظرفاء (وما أكثرهم) يقترح على الأستاذ سعيد ملـكي قائلاً له :- بس انت يا أستاذ أبو ناديه بقيت ملـكـي ! .. فـلماذا لا تغيّر اسمك الى ( سعـيـد جمهوري؟ ) . فأجابه الأستاذ سعيـــد :- إي قابل آني مستوصف ملكي لو قوة جويّه ملكيه.. لو سلام ملكي هذا هو اسم عائلتي...تلك المحادثة كانت برمتها ملاطفة بين ذلك العماري الظريف الساخر والأستاذ الفاضل سعيد ملكي..وقد جعلتُ منها باباً أدخل من خلاله الى موضوعنا الأساس وهو الحديث عن أشهر شارع في مدينة العمارة( شارع المعارف -التربية حاليّاً ).
لــم اعثر على مصدر موثوق أو غير موثوق يؤكد ان مديرية المعارف ( وعلى مَرّ العقود ) كانت تقع ضمن مسار هذا الشارع لكي يسمّى باسمها كذلك لم أعثر على تاريخ تسميته بشارع المعارف فقد كان يعرف في العهد العثماني بشارع( التـكيه) والغالب( كما أعتقد) ان هذا الاسم اطلق عليه في أواخر عشرينيات القرن المنصرم ..وقد بقي هذا الشارع على مدار العقود أرضاً خصْـبة لغرس المعرفة والثقافة فقد احتوى المكتبات والمدارس وصالونات الحلاقة والدكاكين التي كانت ولا تزال ملتقاً للمثقفين وأهل المعرفة وقد شيّدت عليه اول مكتبة أنشأها عبدالرحيم الرحماني عام 1920(بـِـلا إسم) ثم حوّلها الى موقع آخر وبنفس الشارع سمّيت بالكتبة العربية مشاركة مع السيد عبدالمطلب الهاشمي عام 1928 وفي سنة 1929 سميّت بالمكتبة العصرية لصاحبها عبدالرحيم فقط . وتشغل موقعها حالياً مكتبة المعارف ( لصاحبها حسام محمد الرحماني قبل ترشيقها بسبب توسيع الشارع) .. ثم نقلها عام 1950 الى موقعها الحالي في تقاطع شارع المعارف ( التربية ) مع السوق الكبير ومالكها الحالي هو الحاج حيدر حسين داود ( ربـيـبها البار). ثم افتتح الشيخ مرزه الأنصاري (في الأربعينيات) مكتبة النجاح وقبالتها افتـُـتِـح مخزن الأخوين شاكر وابراهيم الهاشمي الذي تطور الى مكتبة أيضاً في النصف الثاني من الخمسينيات بعد انتقاله الى موقعه الحالي ( مقهى مِنشد سابقاً ) وحلت محله بعد تغيير النظام الملكي عام1958مكتبة اتحاد الشعب( مكتبة الحزب الشيوعي ). كما كان الشارع يحتضن كافة عيادات الأطباء والصيدليات ومكاتب المحامين والمطبعة الرحمانية التي انشأها عبد الرحيم أيضاً سنة1941( في خان توينه) وألحقها بمكتـبته ( العصرية ) عام 1951...كما كانت تقع على ثلاثة أركان من تقاطعه مع شارع بغداد العريق 1- صيدلية هنري لوقا التي شغلت موقعها مكتبة الأهالي ( مكتبة الحزب الوطني الديمقراطي ) . 2- دائرة البريد 3- مقر جمعية الطليعة للتمثيل ... كما كان في الشارع ستة مدارس عريقة هي 1- مدرسة الإمام الصادق الابتدائية للبنين 2- مدرسة فيصل الثاني للبنين 3- المتوسطة المركزية للبنين 4- ثانوية العمارة للبنات التي شيدت عام 1935 كمتوسطة للبنات. 5- وقبالتها كانت تقع ابتدائية الفيحاء للبنات ومسرحها العتيد أول مسارح المدينة ( المشيّد مع المدرسة في ثلاثينيات القرن الماضي ). 6- وأخيراً وفي آخر الشارع وقبيل تقاطعه مع شارع دجله تلتقيك مدرسة النهضة الابتدائية للبنات التي كان الدوام فيها ( صباحي – مسائي ! ) بالاضافة الى تواجد باعة الصحف والمجلات المتجولين بين ظهرانيه.
ان كل ما جاء أعلاه جعل من شارع المعارف بلـّـورة مشعّة للمعرفة والثقافة ومنتداً رحباً للمثقفين وطلاب الحَرف والقلم والقرطاس..ولعَمري أنه قد استحق ذلك الاسم كما يستحق إعادته إليه كإسمٍ على خـيـــر مسمّى ... شـــــارع المعــــارف .
نعــود الى بيت القصيد في حديثنا هذا..ألا وهو الجدوى من تبديل اسمه المعبـِّـر عن جوهره الى تسميته الحالية ( شارع التربية) تناغماً مع تبديل اسم الوزارة ومديرياتها من (المعارف الى التربية) بعد عام 1963.. وكأن الأيام قد عادت لنستعيد حكاية الأستاذ سعيد ملكي ولكن مع استاذ جليل آخر هوالأســـتاذ ( أحمد الناصر) ذلك الموظف الأريحي المخضرم القدير الذي قضى حياته الوظيفية كلها في مديرية معارف لواء العمارة الى أن تكـنّى بها واصبح يدعى من قبل جميع العماريين آنــــــذاك بـ ( أحمد معارف )..ان الخوض في حكاية الأستاذ أحمد معارف لا تحتاج الى اسهاب فهي مشابهة لحكاية الأستاذ سعيد ملكي حيث بقي اسمه كما هو (احمد معارف) ولم يتغير ولم يناديه أيّ من ابناء العمارة يوماً ما بـِ ( أحمد تربيه) ولم يصدر بحق تغيير اسمه أي ( مُـرْ.. سوم جمهوري) أو قرار من أحد مجالس قيادة (الثــُـورْ..آتْ) أو مجالس ( البَـله..ديّـات ) السابقات.
والآن ومن أجل إعادة الفروع الى الأصول أناشد السيد محافظ العمارة ومجلس المحافظة وأهاليها الكرام جميعاً ان يعيدوا النـظر في تسيمة هذا الشارع التراثي الرشيق ويعيدوا إليه اسمه العـتـيد ( شارع المعارف ) والغاء تسميته بشارع التربيه . فأهالي مدينتي الأفاضل ليسوا بحاجة الى تربية بقدر احتياجهم الى المعرفة فلا تربية بدون معرفة .. وليس هنالك من شخص او مجموعة او شعب او أمة وصلت الى تمام المعرفة ... فالمعرفة بحر ... لا بل محيط ليس له نهاية منظورة.. وكلي ثقة من ان اصحاب القرار من أبناء بلدتي يدركون جديّة هذا الـنــداء العاجـل
( وَ كـلـّـهُـمُ حيــــاة لِمَـن يُـنادي )
فهُـم أحرص مني على إحياء تراث مدينتنا الحبـيبة...
العمارة . . ﭬـيـنـيـسيا العراق .. وَ ماسـتــه
الرحمــ داود ــاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق