مـحاورة على الفضاء .. وَ مشاورة على الغداء
داود الرحمـاني
كم كنت مغتبطاً وأنا أشاهد فضائية (دريم2 المصرية) وبالتحديد برنامج الساعة العاشرة الذي تقدمه الإعلامية المخضرمة (منى الشاذلي) وكم تمنيت ان ينجب الإعلام العراقي قرينة لها لما تتمتع به من ثقافة واسعة ولباقةٍ ورصانةٍ في الطرح وتأدّب في الحوار وهمّةٍ ومثابرةٍ في الوصول الى منابع الخبر وتقديمه للمشاهد بصورةٍ مقـنِعةٍ .. ففي ذلك المساء .
. مساء الأربعاء 25 مايس2010 .. تمكنت الشاذلي (وبسهولةٍ) من الجمع بين السياسي المعروف محمود أباظه الرئيس الحالي (والذي أصبح السابق) لحزب الوفد المصري العريق وبين منافسه على رئاسة الحزب رجل المال والصناعة والسياسة سيد البدوي (الذي أصبح الرئيس اللاحق الحالي للحزب) ..جمَعتهُـما الشاذلي لا لغرض التحاور معهما فقط بل لجعلهما أيضاً يتحاوران فيما بينهما على الهواء مباشرة (وتلك لعَمري واحدة من التجارب الغائبة أو النادرة جداً تحدث في الوطن العربي حسب معلوماتي المتواضعة).. أجريت تلك المقابلة قبيل اجراء الإنتخابات على رئاسة الوفد بيومين... وبكل لباقة وحرفيّة أدارت الشاذلي تلك الندوة المتميّزة بتميّزٍ بائنٍ.. أما المتحاوران فقد كانا والحق يقال يقدمان نفسيهما بكل بساطة وينقد وينتقد كل منهما سلبيات الآخر ويتعرّضان لبعضهما بكل موضوعية ومهنية وهدوء .. انتهى اللقاء والحوار في الساعة الثانية بعد منتصف تلك الليلة وتصافح المتحاوران تعلو وجهيهما ابتسامة (مهما كان لونها ) ولم ينسيا أبداً انهما كانا أمام الملايين من المشاهدين ولم ينسيا أيضاً كونهما لا يزالان ( كما كانا ) في خندق واحد .. خندق المعارضة.
فـَــلِـمَ .. وَ علامَ .. وَ إلامَ ؟.. ينسى سياسيّونا انهم كانوا (وَ لسنين طوال) في خندق واحدٍ يعارضون ويقارعون (في الشتات) نظام الحزب الواحد البائد (وهناك من يسميه العائد!) .
كيف ينسوا أننا هنا في الداخل كنا ننتظرهم بفارغ صبرٍ مملٍ ..كي نتـنفس الصعداء ونتذوّق طعم الحرية التي حرمنا منها لعقودٍ عِـجاااااااف .. فهل يعقل اليوم أن نصل الى درجة العجز عن جمع اثنين من رؤساء الكتل على طاولة واحدة في احدى الفضائيات وعلى الهواء ليتحاورا وبطريقة حضارية لغرض حل الاشكال ( الغامض الواضح! ) في سبيل تشكيل الحكومة؟!.. ونظل نحـن ( ويا حسرتي على.. نحن ) ننتظر بتوجّس ونستبشر أحياناً بأن الحوار يسير على قدم وساق ونسمع ان فلان قد أولم وليمه (من التمن والقيمه) في ديوانه الباذخ الواسع الذي ورثه عن أحد عتاولة النظام الغابر .. وان فلتان قد دعاهم وهو الممنون (على وجبة فسنجون) في ديوانيته (شعبة البـرّاني ).. وان علاّن قد دعاهم في ديوَخانته النافورية الفارهة ذات الخلفية اللامنتهية لغرض التحاور ثم لاٌلتهام وجبة شواء شهية من كباب السليمانيه ولبن أربيل (للسنة الداعِشة طـَعَش) في الهواء الطلق على ضفاف الينابيع العذبة... وتـذهب القوم .. وتعود القوم .. ثم تخلد القوم الى النوم مجدداً بلا حلّ أو اتفاقِ أو توافق و(تيتي تيتي مثل ما رحتي إجيتي) ولا نسمع سوى حديث سريع من متحدثٍ ضليع أوناطقٍ رسمي رفيع أن وجهات النظر (متقاربه) والتوجّهات إيجابية (متجاوبه) والطروحات (صائبه) وهو يعلم ان المتقاربه ماهي إلاّ متحاربه والمتجاوبه ما هي إلاّ متضاريه وأغلب الصائبة غائبه! ولكن ماذا يفعل الرجل؟ فليس لديه ما يُسمعنا إيّـاه سوى تلك القوانه المشخوطه.
ودارت الأيام.. ومرّت الأسابيع والأشهر واستمر الهرج والمرج..الى أن ظهر الفرج بعد سبعة أشهر من العسرة المزمنة..واستبشرنا بأن قصة (يوووووسف) قد انتهت بشبه نهاية واعدة..وإذا بنا نراها تبدأ من جديد ومن حيث ولد يوسف ! فالبعض من أخوته الأشقاء لم يجدوا سبباً في الاعتراض عليه لاستأثاره بحب أهله سوى القول بأنه (سبعاوي) ولدَ بسرعة ولم تكن لديهم يد في ولادته ولا حيلة ولا حول ولا قوة لهم في تأخيرها أو اجهاضها؟.. أما أسباب الإعتراض عليه من قبل أخوته غير الأشقاء من زوجات أبيه السابقات.. البايرات فحدّث ولا حـرج .
وهكذا وجدنا أنفسنا ننتقل من قصة يوسف الى قصة أخوَة يوسف ( وتعال ياعمّي ولـّـدني ) ..
وعدنا مجدداً الى التهايم والعزايم والولايم وإلى دعوة الفرسان من قبل العم مام جلال الى مائدة مستديرة أخرى بعد فشل الدعوة الأولى لإبن العم السيد عمار الحكيم, ويعلم الله متى وعلى يد أية قابلة مأذونة ستلد حبلانا ( المعسره ) درزنين من الوزراء؟ وكم سيطول المخااااض؟.. وجيب ليل وخذ عتابه.. فولادة يوسف أحتاجت الى قابلة مأذونة للتوافقات فقط أما ولادة درازن الوزراء فأظنها ستحتاج الى قابلة مأذونة للتوافقات مضافاً اليها قابلة أخرى للتنازلات (وهنا تكمن العسرة). وبسبب شحّة القابلات المأذونات في العراق بادر رؤساء الكتل (جميعهم دون استثناء) للسفر بصورة رسمية أو بصفة شخصية الى جملة من دول الجوار عسى ان يجدوا لهم قابلة مأذونة أو أكثر لحل إشكالية تلك العسرة الدائمة.. وأغرب ما في الأمر ان كلاً منهم يعيب على الآخر (جهاراً) تجواله بين دول الجوار وجوار الجوار للإستئناس بآراء وتوصيات قادتها في اختيار تلك القابلة.. وكل منهم يدّعي انه يريدها عراقية... أما نحن العراقيون فكلنا ثقة بأنها حتماً ستكون عراقية لأن العراقيين قد عزموا وحزموا الأمرعلى السير أماماً ولا مجال للعودة (بتاتاً) لا الى الخلف ولا الى ما خلف الخلف؟. وأختمها بقولي:- دعوهم وشأنهم... فالقـافـلة تسيـر...؟. drahmani2004@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق