في الذكرى الأولى لرحيل المغفور له شيخ المناضلين الشاعر الكبير علي جليل الوردي رحمه الله
---------- الحلقة الأولى 26 \ 10 \ 2010-----------
داود الرحماني
وتمضي الأيام .. وأول الأعوام على رحيلك يافخر الأنام ويا زين الرجال وحلو الخصال ورمز النضال.. يا من حملت ما ناءت بحمله قوافل الجمال وسلاسل الجبال .. رحلت بهدوءٍ وسكونٍ وسلام .. ولا غرابة في ذلك فأنت داعية السلم وشاعر السلام.. فسلام عليك يوم ولدتَ وتبرعمت .. ويوم أينعت وأنشدت.. ويوم تمرّدت وناضلت.. ويوم لوحِقتَ وعانيت.. ويوم شخت وتعبت .. و يوم زهدت واعتكفت..ويوم مللت ورحلت..ويوم تبعث حيّـا.
وعجبي!.. وعتبي.. على عتاولة الأدب والشعر والقائمين منهم على الثقافة و دواوينها.. هل نسوا أم تناسوا ذكرك واستذكارك؟.. وهل يُعذرون؟ كونهم منشغلون بمناصبهم ومكاسبهم في وزارةٍ أو اتحادٍ أو جمعيةٍ وانبهارهم بتكريماتهم ومهرجاناتهم وإيفاداتهم؟!!.. وَإن كانت جميعها لا تعنيك ولا تغـنيك.. وأقول لك وانت في مثواك :- يا شيخي لا تحزن فهناك من سوف يُـقلِق ضمائرهم في ذكرك واستذكارك يا من عشت أبيّـاً لا تهادن ورحلت نقيّـاً لم تداهن!. ويكفيك ويكفيهم (فقط) تلك الأبيات من قصيدة لك في الفقير واليتيم نظمتها عام1942أيام كنت الفتى الفتي الثائر ابن الخامسة والعشرين .
----------------------------------------------------------------
مــا بــالـُــه ُ.. وَ الأســــى قــسـراً يُـســاورُه ُ
وَ البـــؤس والهَـــم ّ ُ وَ البَــلــوى تــزاجــرُه ُ
جاءت بــِــعـَـسكـرِها الأيـــام صاخِـبةً ً
عــليـــهِ ... إذ عــَــزّ بــيــن النــاس ناصــرُه ُ
فراحَ يرزخ فـي عِــبءٍ يَــنوء ُ بـهِ
بـكــّـــاءة ً تــُــرسل الشـــكوى خـَـواطــــــرُه ُ
قد ألجمت ْ فمه البأساء إذ طفــَـقـَت ْ
بــقـــــارع ِالألـــمِ الــــدامـــــي تــُـحـــــاورُه ُ
يُمسي على مَضضٍ يَضحى على سغب ٍ
فالبـَـــــرد ُ زاجـره ُ .. والجــوع ُ قــــاهــــرُه ُ
وَ كـم يتيمٍ ٍ , ظلام الليل من حـَــنـَــقٍ ٍ
عـــلـــى نــَــضارتــهِ سـُــلــَّــت ْ بَـــواتِــــــرُه ُ
بــِلوعة اليُــتم .. شـبّــت ناره ضـرَمـاً
عـــــليه , والــذلّ قــد هـَـــبّـــت ْ أعــاصــرُه ُ
فــَـبات يـرتـِقـبُ الجــــوزاءَ نــاظــرُه ُ
سُــهــداً ... وَ يَـبـنـي قصور الوهـم خـاطـــرُه ُ
وكم من الناس.. مَـن يَجترّ من جَـشعٍ ٍ
خــبـزَ الـفــقـيـر وَلا يـثــنـيـه زاجــِـ؟؟ــــرُه ُ
-----------
دعني أعود بهم يا شيخي الجليل الى مفكرتي ..الى يومٍ كان فيه (أغلبهم) يطبّـلون للطاغية؟, وبالتحديد الى يوم الأثنين 16 حزيران عام 1997 ذلك اليوم الذي عقدت فيه على شرفك أمسية لتكريمك والإحتفاء بك (في مجلس الخاقاني في الكاظمية) لمناسبة بلوغك الثمانين ( فأنت من مواليد1917 كما أخبرتنا لا كما تذكر الوثائق بأنك ولدت عام 1918) تلك الندوة المتميّزة التي احتشد فيها جهابذة الشعر والفكر حيث أنشد الشعراء وغرّد الخطباء في إظهار مواقفك الوطنية ومآثرك النضالية و تمكّنك ومكانتك الشعرية.. كانت أمسية من أثرى وأعز وأقرب الأماسي الى قلبي لما كان بيننا من صداقةٍ فـتـيّـةٍ صادقـةٍ كصدقـك.. وَمَوَدةٍ نقـيّـةٍ عذبـةٍ كعذوبتـك.
أذكر جيداً كيف توجهنا (سوية أنا والمرحوم والدي وعزيزك المخلص الدكتور عبدالله السوداني) براحلتي عصراً الى دارتك ( أم الثلاث نخلات) الكائنة في شارع الكندي \ الحارثية لغرض استصحابك الى حيث تكرَّم.. وكيف آليتُ على نفسي ورجوتُ أهل الدار بأن أقوم باحضار متطلبات الضيافة لتلك المناسبة .. وفعلاً قمت بتأمين المرطبات والشموع وكعك البرازيلي الشهير من أفران الصفدي بالأعظمية بدلاً من الكعك المعتاد.. وأذكر انني كنت آخر المتحدثين نزولاً عند رغبتك وكانت تلك القصيدة التي ألقيتها والتي أطربتك وأثنيت عليها لما فيها من صور صادقة .
أذكر انك أشَرت عليَ بالجلوس الي يمينك ممّا هيأ لي ملاحظة جميع تعابير وجهك وانت تستمع الى الشعراء والنثراء وتتقبل منّا الهدايا المتواضعة بامتنان.. وجاء دورك في القاء البعض مما تختزنه ذاكرتك من الشعر فاحترت بين هذا الذي يطلب قصيدة (الفقير) وذاك الذي يطلب قصيدة (من أعماق السجون) وذلك الذي يطلب قصيدة (قف على الجسر) وهذا الذي يطلب قصيدة (أقوى من الموت) وغيرها من القصائد التي شدوت بها في مهرجانات الحزب الوطني الديمقراطي في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم مما جعلك تنسى الظروف الضاغطة التي كنا نعيشها وتصوّرت نفسك مازلت تعيش تلك الحقبة ومهرجانات الحزب الذي كنت شاعره المفوّه.
فما كان منك وانت في أوج انفعالك وزهوك وسعادتك إلاّ امتشاق ديوانك الوحيد (طلائع الفجر) المطبوع عام 1960 والذي يحتوي على أربع وأربعين قصيدة فقط.!! وبدأت تنشد القصيدة تلو الأخرى وجميعها تتحدث عن الطغاة وعذابات الشعب وهي تنطبق حرفياً على طاغية العراق ونسيت ان مجالسنا ملغـمة بالعناصر الأمنية ومن المثقفين (مع الأسف!!)... بعد انتهاء الاحتفالية أهديتني نفس الديوان الذي قرأت فيه تلك القصائد الرنانة موشحاً بالإهداء... كنا متوجسون ونحن نعود بك الى بيتك ليلاً .. وحدث ما توقعناه.. فقد قامت عناصر الأمن ( وكنت تسميهم مجلس الأمن) بزيارتك وترهيبك وتحذيرك من حضور الندوات والمجالس.. وكان ما كان من احتجابك عنا ! وقد أخبرتني بما جرى أثناء زيارتي الأولى لك بعد تلك القطيعة أما في الزيارة الثانية وكان معي د. عبدالله السوداني فقد سألتنا :- ما ذا يقولون عني؟ هل صحيح ان بعضهم نعتني بالجبان؟.. فأجبناك :- أيقال عنك..عنك جبان؟!! لا والله لم نسمع بذلك ولا يجرؤ كائن من كان أن ينعتك بذلك قبالتنا.. فأخرجت لنا رسالة وقصيدة مؤرخة في 26 تموز 1997وطلبت مني قراءتها في مجلس الخاقاني وفعلاً ألقيتها في أمسية الأثنين 28 تموز قبيل انعقاد الجلسة.
صورة للصفحة الأولى من الرسالة والقصيدة الموجهة الى روّاد مجلس الخاقاني وتتألف من خمسة صفحات شعراً ( 58 بيت من بحر الكامل ) وصورة لديوانه مع الاهداء
بسم الله الرحمن الرحيم ( 1 )
حضرات الأخوة الأحبة روّاد مجلس الخاقاني المحترمين
السلام عيكم ورحمة الله وبركاته
وبعد لعلكم تقولون إن الشاعر خاف واحتجب , وهذه القصيدة فصل الخطاب ودمتم بسلام ....
توقيع
المخلص
26 \ 7 \ 1997م علي جليل الوردي
توضيح موقف
قالوا جبنتَ فقـلـتُ كـــلاّ ..... لكن حِفاظ العِــرضِ أولا
أنا لست محتــملاً مــــلا...... حقة ً, وتِـسْــآلاً مُـــمِــلاّ
أنا لم أخفْ سجناً ولـــمْ ...... أرهب مدى الأيام غـــلاّ
زرت السجون مكـــبّــلاً ...... من نصف قرنٍ أو أقــلاّ
وقضيت في السجن الفصول معانيــاً فصلاً فــفــصـــلا
وخبـــرت أحكام القضـــاة ومَــــن لِــــسلطانٍ تـــوَلّــى
ورأيت فـــيهم جائـــراً ...... ورأيت من قـد كان عـدلا
الى قوله في صفحة أخرى
فعــــــلامَ ترصدني العيــــــون بخفـــيةٍ صبحاً وليـــــلا
يأتي إلـيّ الأمـن .. في بـيـتي .. فــأسئــلة وقـــــــــولا
ويــسجّـلون صحائـفــاً عن كل من حــولي ..ومَــن لا
أ لأنـنـي قلت الحقـيـــقـة في نـشـيـدي ... مُـسـتـقِــلاّ؟
والى العدد القادم حيث ننشر قصيدة (توضيح موقف) كاملة مع قصيدتي التي ألقيتها في حفل تكريمه مع البعض مما أنشده مساء 16 \ 6 \ 1997من القصائد النضالية التي حفـّـزت زبانية الأمن على زيارته.. ومن ثم احتجابه.
-------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق