ميسان (ماء القمر صورة مدينة تشاطئ الحلم وانهكها الزمن وفتك بها الاهمال )
علي رشيد
على حافة الحلم واخريات المياة حيث الاهوار تتسع في فضاء متخيل والصورة لن تكتمل الا بنخيل ومشاحيف واناس طيبين تشاطئ دجلتها في هزيعة الجنوبي لتفترش لها من جسد العراق متسعاً خصباً ومعطاءاً غني بثرواته ثري باهله مورق بهبات الهية ليس النفط اخرها .. وحيث تاخذ بتلابيب النهر تتقسمه بين مناطقها فروعاً توغل في الارض حتى تروي أخر شبر من ارضها فالبتيرة والكحلاء والمشرح والمجر الكبير وغيرها لاتمثل أنهراً للحياة فقط بل للحلم والامل وأشياء أخرى لم يحصيها الا الميسانيون على أمتداد سنين مدينتهم الموغلة في الزمن .
ميسان دولة عربية الاصل والاسم القديم (خاراكس ) ولم تعرف هذه باسم ميسان الا في القرن الاول الميلادي وتشير المراجع أن الاسكندر المقدوني بنى هذه المدينة عام 324 ق.م على مرتفع صناعي عند ملتقى نهر الكارون بنهر دجلة بعد عودته من الهند لدراكه اهمية دور الخليج العربي التجاري والملاحي بين الشرق والغرب والذي يربط بين الهند وعاصمته المقبله بابل التي اراد ان يجمعها عسكرياً بهذه المدينه(ميسان) ورد اسم ميسان باللغة الاغريقية بالصيغة (ميسن ) وفي الترجمة الارامية (ميشن) أي بمعنى المدينه المسورة . وذلك بسبب السدود العظيمة التي بنيت حولها فكلمة ميسان البابلية تعطي معنى (ماء القمر ) ويقصد بذلك المياة التي تتاثر من أوضاع القمر واحداثه المد والجزر وكانت ميسان كورة واسعه كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط وفيها قبر العزير ويتبعها ادارياً المذار والبطائح وكان المثل يضرب بخصوبتها في العهد الاسلامي منذ العصور القديمة باعتبارها مدخل البضائع الهندية والعربية الى دول الهلال الخصيب كما اصبحت مركزاً لسك العملة خصوصاً في الفترة الاموية اذ وجدت عملة صكت في هذه المدينه في سنة 79 هـ وذكرت الدراسات في مطلع القرن التاسع عشر نشأت في جنوبي أرض بابل تحت حماية السلوقيين ثم تتدرجت في سلم القوة واصبحت دولم مهمة حكمها ثلاثة وعشرون ملكاً ويعتبر هيسبا وسين أول ملك ميساني أعتلى عرش ميسان سنة 165 ق.م
(سكان ميسان ) ان السكان الاصلين في منطقة ميسان منذ ايام الامبراطورية الاشورية هم من الارامين أي عرب الجزيرة العربية الذين نزحوا الى بلاد الشام واستوطن قسم منهم ضفاف الخابور والفرات كما توغل قسم أخر منهم الى بلاد سومر واكد جنوب العراق واستطاعوا ان يكونوا دولة مستقلة في فترة الاحتلال الاخميني تحكمُ نفسها بنفسها وهذا ما يدل ان حكم الاخمينين كان أسمياً اضافة الى ذلك هناك اشارات قديمة تذكر أن قبائل عربية أستقرت في هذه المنطقة وما جاورها من المناطق الاخرى في الفترة التي سبقت الاسلام مثل قبائل بكر بن وائل التي أستقرت في منطقة كرمانة وقبائل حنظلة التي استقرت في الرميلة وان العرب قد توغلوا شرقا الى الاقسام الجنوبية من فارس عن طريق مملكة ميسان وتذكر
(1)
النقوش الميسانية أن مجتمع هذه الدولة مجتمع زراعي تجاري يتكون من شرائح مختلفة كالعبيد والعمال الزراعين والشريحة البرجوازية .
(الدين واللغة) في دولة ميسان ماكان يختلفون في عبادتهم عما كان يعبده العرب في شبه الجزيرة العربية لذلك نفترض أنهم عبدوا اله الشمس او القمر واله اخرى مع اننا لانملك الأدلة على ذلك ولااسماء الالهه سواء اله واحد عبده العرب الميسانيون هو اله( بعل)ولانستبعد اله الات لان لهذا الاله مكانة فريدة في معتقدات العرب قبل الاسلام ويظهر ان الديانة المسيحية انتشرت في ميسان واحتوت خمس مطرانيات . ان لغة عرب دولة ميسان لابد أن تكون من اللهجات التي يتكلم بها عرب الجزيرة العربية اضافة الىذلك استعملوا اللهجة الارامية والتي كانت سائدة في كل الدول والامارات العربية اما الخط فهو الخط الذي كتبُ به المسكوكات فهو الخط الارامي في سنة 8 م .
(بضائع المملكة )البضائع التي كانت تتاجر بها دولة ميسان منها أنتاج محلي مثل اللؤلؤء والتمور و الاخرى تستورد وتستهلك والقسم الاكبر كان لتجارة المرور ( الترانزيت ) والتي من خلالها تحصل على ارباح كثيرة وهي التوابل والبخور والمر واللبان وتصدر من مؤانى اليمن الملابس والنبيذ والحرير الارجواني ويصدر من فينيقيا خشب الصندل والصاج والابنوس والحرير الصيني وبعد عقود من الزمن قسمت ميسان ادارياً الى ثلاثة اقسام :-
1- المذار وهي مركز الولاية في ميسان حيث تقع بين واسط والبصرة وبها مشهد عامر كبير جليل قد انفق على عمارته الاموال الجليلة وتساق اليه النذور وهو قبر عبد الله بن علي بن ابي طالب (ع) .
2- البطائح جمع البطيحة لان المياة تبطحت واتسعت وسالت في الارض حيث طغى الرافدان دجلة والفرات طغياناً هائلاً مرة واحدة سنة 628 م بحيث لم يعد بامكان أي مجهود بشري ان يقف بوجهه ادى الى انهدام السدود ومشاريع الري ثم تحول الانهر عن مجاريها وتحولت الى مستنقعات واهوار تمتد بسعتها كالبحر وصارت تعرف في زمن العرب البطائح يعني (الاهوار) وهم النسل المباشر للسومريين الذين عاشوا في العراق قرابه خمسة الآف عام حيث اسسوا دولاً وحضارات كالسومريين والبابليين والكلدانيين .
3- (الطيب) سكنها الكلدان وعندما دخلتها جيوش المسلمين وجدت بها الصابئة المندائيين أي مابين كورتي واسط والسوس ولهم قلعة اثرية قديمة تقع بجوار مخفر الطيب الان وهي ذات ابراج متهدمة ويقال انها حصن من حصون الصابئة وتسمى القلعة .
(أعلام ميسان ) من اعلام ميسان في ذلك الحين :-
1- سهل بن هارون كان من رجالات البلاغة والعلم والحكمة في دولتي الرشيد والمأمون وكان قيم بيت الحكمة في عهد المأمون .
2- الحسن البصري شخصية فذة من شخصيات التاريخ وعلم شامخ ينبوع من الحكمة لاينضب ومعين فيضها الذي لايغور .
3- عمبسة بن معدان أشتهر بالنحو ونبغ فيه وعد من واضيعي اسسه ومن مشيدي صرحه ورافعي لوائه اخذه عن ابي الاسود الدؤلي الذي استرفده من مصبه الاول ومعينه الذي لاينضب الامام علي بن ابي طالب (ع) . (2)ص
(الصحف في العمارة ) صدرت في العمارة جريدة التهذيب لصاحبها انور مجيد تحافي وهي جريدة انتقادية اسبوعية وفي 17/اب/1928 وصدرت مجلة الهدى لصاحبها السيد عبد المطلب الهاشمي وهي مجلة دينية علمية استمرت لمدة ثلاث سنوات وكما صدرت جريدة الكحلاء الادبية والاسبوعية حيث كان العدد الاول منها 29/نيسان /1932 .لصاحبها ورئيس تحريرها احمد فائق ومديرها المسؤول عبد الحميد مدحت صدر منها 26 عدداً ثم تولى اصدارها عبد المطلب الهاشمي في 24/ تشرين الثاني / 1932 .
(مدينه العمارة 1933 -1958 ) بلدة الخصوبة والرخاء والنزهه والرفاه حركة العمران فيها سارت سيراً مطرداً حتى صيرتها بلدة واسع الرقعة طيبة البقعة والنازح اليها يشاهدها بلدة فاتنة خلع عليها العمران بروداً من الجمال وكستها الطبيعة جلابيب من الروعة والبهاء ينعطف دجلة عند مدخلها ويتفرع منها الكحلاء ويتجة النهر الاصلي الى الجنوب فتقوم علية البنايات الرئيسية كدار المتصرف والمستشفى الملكي وسراي الحكومة ودائرة الكمرك ودائرة البرق والبريد ومستشفى الامريكان الذي انشاته الجمعية التبشيرية اما نهر الكحلاء فانه يجري نحو الشرق قائمة عليه سلسلة من القصور والبيوت ويفصل شارعان جميلان مبلطان يدعى احدهما شارع دجلة ويسمى الثاني شارع الكحلاء وقد غرست على جوانبهما الاشجار السامقة وانشات في وسطهم الحدائق الانيقة ذوات الانهار العبقة والالوان الساحرة وفي وسط البلد سوق طويلة مستقيمة تقسمها الى قسمين من الغرب الى الشرق فيقع صدرها على دجلة وذنبها على الكحلاء وصفت المحال على نسق واحد واسواق متداخلة فسوق العلافين يمتدجنوبا الى سوق الخضروات ليتكون سوق النجارين الذي تكون بدايته امتدادا للسوق الكبير وهو يمتد الى سوق الحدادين وباتجاه الشمال سوق العطارين يتفرع قبل دخوله السوق الكبير التاريخي المعروف باقواسه وشناشيله يتفرع قبله سوقان شمالاً وجنوباً ،ألشمالي سوق العرب والجنوبي سوق الدجاج ويمتد منه فرع ضيق منه شرقاً سوق الصفافير وشارع المعارف التربية اليوم الذي يتقاطع مع السوق الكبير عند المنتصف سمي بالمعارف لكثرة المدارس والمؤسسات التربوية على جانبية ففيه ثانوية العمارة للبنات ومديرية المعارف وجمعية المعلمين ومدرسة الهدى ويذكر ان بناية ثانوية العمارة للبنات كانت على احد جدرانها لوحه منحوتة من الصخر تحطمت عند هدم البناية مكتوب عليها (جمع من اهل العمارة مبلغ من المال لبناء تمثال للجنرال مود) ولكن اهلها رفضوا وبنوا به هذه المدرسة وتعتبر هذه اللوحة من المفاخر النفيسة التي كانت يجب ان تحفظ لانها تمثل موقفاً ثورياً ولاننسى المكتبة العصرية التي اسست سنة1929 التي كانت للمرحوم الرحماني واليوم يديرها حيدر حسين والتي تعتبر مهوى لعدد من كتاب وادباء وصحفي المدينة والجدير بالذكر ايضاً جامع الشيخ عبد الغفار الانصاري (رحمه الله ) الذي كان ولايزال مسجداً شامخاً ومركزاً لمرور المواكب الحسينية في ايام عاشوراء وملتقى عباد الله .
(محلات مدينة العمارة ) مركز مدينة العمارة مقسم الى عدة محلات هي القادرية – الجديدة- وهي محلة بنيت في العمارة وكانت بها منارة اثرية بناها عبد القادر الكولومندي اول قائمقام للعمارة، السرية وهي المحلة التي بناها سري باشا متصرف العمارة في
(3)
العهد العثماني ، السراي سميت لقربها من سراي الحكومة ، المحمودية سميت نسبه الى التاجر الحاج محمود طه ، الصابونجية سميت نسبة معمل استخراج الصابون ، الدبيسات سميت نسبة الى الدبيسات وهم مجموعة من الأسر التميمية ،الماجدية نسبة الى ماجد مصطفى متصرف العمارة الذي قام باول مشروع للاسكان في مدينة العمارة اذ وزع قطعاً من الاراضي بثمن زهيد جداً فلس للمتر الواحد على الفقراء لاقامه مساكن لهم ،الشبانه وهي المحلة التي تقع على الجانب الايمن من نهر دجلة والشبانة محل الجيش التركي ، منطقة بستان عواشة وبستان الجدة تحتوي على سبعة دور متشابه وهي قصور اثرياء المدينة وتدعى سبع أقصور. (عالم الاهوار) في الحقيقة مثلما في الحلم تاخذ الاهوار من ميسان ومن العراق ايضاً مكانها الاثير حيث لايفكر احد في بنهاية المياة مثلما لايستطيع التغاضي عن استبدادية القصب والبردي والنباتات العائمة في عالم لم تنفتح خباياه لسكان ومكابدي الحياة في الاهوار دأب دائم فزراعة الشلب وصيد السمك ورصف القصب هي المهن السائدة وقد عانت اهوار ميسان وطأة الدكتاتورية التي اجرمت بحقها حتى حبست المياة عنها وفي الوقت ذاته مثلت هذه المناطق منطلقات مضيئه في العمل الجهادي في اسقاط الصنم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق