الاهوار سحرت الغرب قبل العرب
عدي المختار
سحرت الغرب قبل العرب الأهـــوار مهد الحضارة الأولى وقلعة الثوار أحاديث عن الأكواخ والمشاحيف والحياة الأولى لعرب الاهوار وعن ايام المحنة وسنين الغضب العمارة /عدي المختار تعد أهوار الجنوب في العراق منطقة الجذب والاستقطاب الأولى في العالم فهي بندقية الشرق قياسا إلى مدينة فينيسيا الإيطالية المشهورة .. إذ كانت تشهد زيارة الآلاف من السياح ومن مختلف أنحاء العالم .. حيث تقع عند ملتقى دجلة والفرات وتبلغ مساحتها ستة آلاف ميل مربع من المستنقعات والاهوار فكانت منطقة الجذب المغناطيسي للكثير من الرحالة العرب والأجانب ومن مختلف بقاع المعمورة ..، ولعلنا نتذكر الرحالة البريطاني (ويلفريد ثيسيكر) الذي أرتبط أسمه بعرب الأهوار وكتابه الشهير ( عرب الاهوار) الصادر لأول مرة في عام 1964 من بين كتبه الأخرى وكذلك رحلات النائبة البريطانية ( ايما نيكسون) التي زارت المنطقة عدة مرات وانتجت عنها فيلما تلفزيونيا ..وقد طالبت ( ايما نيكسون) المنظمات العالمية ومنظمات الدفاع عن البيئة بالتدخل لإيقاف النظام العراقي السابق عن العبث بالتركيبة البيئية في الاهوار من خلال إصرار ذلك النظام على تجفيف الاهوار والقضاء على طريقة حياة تمتد إلى فترة السومريين ومنذ مايزيد على خمسة آلاف سنة وكانت النتيجة أن عرب الاهوار أضطر عشرات الألوف منهم إلى الهجرة تحت ضغط الإرهاب والتصفية الجسدية إلى إيران ودول أخرى ..، أن ( ويلفريد ثيسيكر)عاش بين أبناء الاهوار سبع سنوات تقريبا وكتابه يحكي بالكلمة والصورة ( إذ كان مصورا بارعا جدا) عن طبيعة أهل الهور وحياة سكانها الاجتماعية وكل ما يتعلق بمفردات حياتهم فهو يرى الحياة التي يعيشونها طبيعية وعلى فطرتها ولم تلوثها الحضارة ..، وان كتابه (عرب الاهوار)كان وثيقة مهمة وصادقة عن الحياة في الاهوار ..، وليثيسيكر تلميذ تعلم على يديه وأصابه هو الآخر حب الاهوار والإعجاب والدهشة بسكان الاهوار وهو( غافن يونغ) الذي التقى ثيسيكر في البصرة أراد ان يرافقه في رحلاته .. إلا انه في السبعينيات ذهب إلى الاهوار مع مصور بريطاني ممتاز هو ( نيكولاس ويلر) وألف عنهم كتابه ( العودة إلى الاهوار) ولم يقتصر المؤلف المذكور على تصوير الحياة الاجتماعية لعرب الاهوار ، بل تطرق أيضا إلى الجانب التاريخي والسياسي لهم ..، والكتابان ( عرب الاهوار )و( والعودة إلى الاهوار)يكمل أحدهما الآخر وهما يشكلان صورة كاملة التفاصيل عن جنوب العراق مهد الحضارة الأولى وجنة عدن . والاهوارهي تلك المساحات الشاسعة من الماء والخضرة التي تكونت منذ مئات السنين يوم كانت المياه وفي الأزمنة الغابرة تغطي المنطقة الوسطى والجنوبية من العراق وأخذت تنحسر تدريجيا حتى انتهت إلى الوضع الحالي وبقيت منخفضات عظيمة ملآى بالمياه تغذيها الأنهار فهي باقية ببقائها ..، وفي كتابه ( قصبة في مهب الريح) يقول كافين ماكس عن تكوين الاهوار: ـ في العصور البابلية أمتد الخليج العربي إلى أعالي العراق ..، وعندما تقهقر البحر ترك في أثره إقليما من الاهوار والجداول والمستنقعات ..، وعلى مر القرون انقسمت الاهوار الطبيعية المعرضة للتغيير بسبب تأثير البحر إلى مساحات يؤثر عليها الفيضان الموسمي والى أهوار شبه دائمة والى مساحات مركزية من الاهوار الدائمة الخضرة الواقعة في المناطق المنخفضة بين دجلة والفرات ..،ت وهناك رأي قريب إلى الواقع يقول : أن سقوط الحضارات وانتهاء عصر الحكام الأقوياء أدى إلى انهيار السدود وانهدام النواظم واندرست الأنهار وقنوات الري فأصبحت المياه تتدفق بلا موجه أو مدبر فغمرت من الأراضي الشاسعة في جنوب العراق وكونت مساحات واسعة من المياه غطت معالم وآثار الحضارة القديمة .. فما هذه القطع النقدية المعدنية وما ذلك الفخار الأصفر إلا من بقايا الحضارات قبل أن تغمرها المياه وعلى كل حال أوجدت المياه عنصر الحياة .. الحشائش المختلفة وتكونت بشكل غابات كثيفة من القصب والبردي ونباتات أخرى .. في حين أحتفظت آثار المدن القديمة بارتفاعها كتلال تسمى ( اليشن) ومفردها ( ايشان ) وعاشت فيها أنواع كثيرة من الحيوانات المائية والمتوحشة وهاجرت إليها الطيور في مواسم البرد.. وهكذا كانت الاهوار عالما كبيرا طالما أحتفظت بمكنوناتها المائية والنباتية والحيوانية نتيجة لما يصب فيها من مياه عند نهايات الانهارالكثيرة التي تخترق محافظة ميسان ( المصندك والبتيرة والكحلاء والمشرح وفروع نهر دجلة المجر الكبير وفرعاه العدل والوادية ونهر الكسارة والسطيح ) وهذه تغطي مساحات واسعة يشكل الجانب الشرقي منها هور الحويزة الذي يمتد على طول الجنوب الشرقي لمياه الاهوار القريبة في جنوب ميسان عند العزير والذي يتصل بأهوار الجبايش في محافظة ذي قار ..، وهناك أهوار الصحين والسلام والميمونة وهور السنية المقابل لقضاء علي الغربي وناحية علي الشرقي من جهة الغرب وكما تنوعت الاهوار في مواقعها وأشيائها الكثيرة فقد تنوع سكانها من حيث التكوين العشائري فسكان الاهوار الشرقية هم من( النوافل والبو غنام) وسكان الاهوار الغربية الجنوبية يسكنها ( البوبخيت) وعشائر متفرقة ويعيش عدد كبير من الصيادين في الاهوار الغربية من شمال ميسان أما أهوار ميسان الجنوبية الغربية فتعيش فيها عشائر آل أزيرج وتعيش في أهوار المجر الكبير عشائر البو محمد أما السواعد فيعيشون قريبا من اهوار نهر المشرح وقسم من اهوار الحويزة من بدايتها الشمالية الشرقية لقد عاشت مناطق الاهوار أكتفاءذاتيا عبر سنوات طويلة معتمدة على مافيها من ثروات بحيث اصبح الإنسان معزولا نتيجة عدم الحاجة إلى المدن فهو يبحث عن عمله داخل الهور كصياد للسمك أو الطيور في مواسم صيدها شتاء أو بقطع القصب والبردي والجولان للصناعات اليدوية الشعبية ( كصناعة الحصران من القصب ولها مسميات : بارية وطريدة واعشيراوية )وكذلك الحصران والطبك ويصنعان من نبات الجولان المجفف وسعف النخيل ) كما يزرع الرز ( الشلب) في المناطق الضحلة أو يرعى الحيوانات ويسكن بيتا مصنوعا من القصب والبردي الذي يجمعه من الهور ويكون البيت عادة على المناطق المرتفعة أو على جباشة يصنعها هو ( وهي كدس من القصب والبردي والطين تعمل منه الأرض الصناعية واحيانا تكون متحركة عند الفيضان ) وقد يكون هناك أكثر من عشر بيوت أو أكثر في منطقة واحدة عندئذ يطلق عليها ( سَلف) ومن الحيوانات يحصل على اللحوم وكذلك من الأبقار ومن منتجاتها يتغذى أو يصدر إلى خارج الهور وكان سكان الاهوار سابقا لا يشربون الشاي فهم لا يحتاجون السكر إلا بعد مرحلة متأخرة أو بعد دخول الإنكليز إلى العراق كما أن هناك نباتات يستعمل منها نبتة مثل( العكّيد) أو مطبوخة أو مملحة مثل ( الكاط) ومسحوق زهور البردي ويسمى ( الخرّيط). وان عرب الاهوار لايتزوجون من خارج بيئتهم وهذا يؤكد انهم أحتفظوا بنقائهم وأصولهم وهويتهم العربية ولخشونة الحياة في هذه المناطق ومناخها الاجتماعي الخاص وظروفها البيئية لم يستطع أي من الغرباء أو الغاصبين التسرب إلى المنطقة أو استيطانها فظروف الحياة ـ على حد تعبير أحد المغامرين الأوربيين في الماضي ـتعطي للموت انتصارا ما وعلى الرغم من ذلك فان الحياة هي التي تنتصر وهؤلاء الذين ينتصرون للحياة هم عرب الاهوار الذين يسكنون في أكواخ مشيدة من القصب ( البواري) تربطهم علاقة القبيلة التي تختص بمنطقة ما تعد ديرتهم يدافعون عنها ضد أي عدو خارجي من حماية حياتهم ومراعيهم وزراعتهم . المشاحيف كوسائط للنقل وان أهم وسائل التحرك داخل الهور هي الزوارق ولها أنواع وان البعض منها ركبت عليه محركات حديثة واطلق عليه أسم ( الشختورة ) وجمعها ( شخاتير) ..،والمشحوف هو قارب خفيف يستعمله سكان الاهوار في تنقلاتهم المائية وهو مستطيل الشكل وضيق بحيث لا يستطيع المرء ركوبه إلا إذا مد رجليه في قعره وهو يمسك بطرفيه لضمان التوازن خشية انقلابه .. ويصنع المشحوف من ألواح خشبية ومن قطع خشبية محفورة ومطلية من الخارج بالزفت (القار) وتصنع احسن المشاحيف في منطقة (الهوير)الواقعة على نهر الفرات والمشاحيف تدار بأعمدة طويلة من القصب أو من ( الجنى) تعرف بالمرادي ويفضل ملاحوها دائما طريقة دفعها بالمرادي على طريق الغرف ألا إذا كانت المياه عميقة الغور لأنها أسرع سيرا وأقل جهدا ويستطيع الملاح ( الدافوع) ان يقطع في مشحوفه في اليوم الواحد خمسين أو ستين ميلاً بكل سهولة وفي الاهوار مسالك مائية يسلكها عرب الاهوار في تجوالهم بين جزيرة وأخرى وبين أجزاء الهور المختلفة لايعرفها سواهم .. والمشحوف من أهم مقتنيات عرب الاهوار التي لايمكن أن يستغني عنها أي بيت من بيوتهم ففي المشحوف يتجول بين منابت القصب والبردي لنقل العلف لماشيته وفي المشحوف يحمل منتوجاته لبيعها في قرى عالمه البطائحي ..، وفي المشحوف أيضا يتنقل بين قرية إلى أخرى واحيانا من بيت إلى آخر وهذا المشحوف نفسه كان يستعمله السومريون في مستوطنهم البطائحي في جنوب العراق إذ صوروه على نقوشهم التي ترجع إلى أقدم الأزمنة ومن الدلائل الملموسة على ذلك النموذج المصغر للمشحوف الذي عثر عليه مع مجاذيفه في المقبرة الملكية في أور وهو طبق الاصل للمشحوف الذي يستعمله عرب الاهوار في الوقت الحاضر . الصرائف وأكواخ القصب وقد أشار الكثير من الباحثين إلى أن أقدم مزارعي العبيد في سومر سكنوا على وجه الحصر في أكواخ من القصب وقد عثر بكل تأكيد على جدران من الآجر الطيني في طبقات أقدم في كل من (أريدو) و(أور) كما أن مثل هذه الآثار وجدت لمنشآت من القصب جنبا إلى جنب مع استخدام الآجر الطيني وظهر منزل من الآجر الطيني في أريدو وله بناية ملحقة من القصب كما يجب التأكيد على أن استعمال المنشآت القصبية لايعني بأي حال من الأحوال إنها مستوطنة ( بدائية) ..، أن الأكواخ القصبية تعد منزلا ملائما للحالة المناخية في جنوب العراق ومازال قيد الاستعمال حتى اليوم . وقد نشر العالمان _ ديفيد وجوان اوتيس في كتابهما ( نشوء الحضارة) بصمة لختم تظهر فيها ماشية في الحقل الأعلى وخراف في الحقل الأسفل مع زرائب شيدت من حزم القصب بداخلها صغار الحيوانات وجرار مخزونة بالتعاقب وقد قارناها بمضيف عرب الاهوار ووجداها كثيرة الشبه بتلك الصورة المحفورة على الختم الذي يرجع عهده إلى عصر الوركاء ..،ويخبرنا نص كتابة سومرية آن شولكي أحد ملوك سلالة أور الثالثة قد أهتم كثيرا بمدينة أريدو التي كانت تقع (آنذاك) على ساحل البحر ـ ويجب أن لا يؤخذ هذا النص بحرفيته ـ ونستنتج من هذا أن المدينة كانت مرتبطة بالبحر بوساطة نظام من الاهوار المليئة بالامواج وان هذه تشكل جزءا من منطقة الاهوارمشابهة إلى المنطقة التي تفصل السهل الرسوبي اليوم عن رأس الخليج العربي وعلى أي حال يظهر أن سكان مدينة أر يدو الاوائل وبعض المواقع السومرية الأخرى كانوا أنفسهم سكنة أهوار يعيشون في بيئة يمكن مقارنتها ببيئة عرب الاهوار الحاليين في العراق .. فليس من المدهش اذن أن تكون العمارة (الرمزية) على الأختام الاسطوانية السومرية والمنحوتات تصور مباني مشيدة من القصب تشابه في تفاصيلها المضايف (جمع مضيف) المخططة بكل براعة والتي يمكن مشاهدتها في قرى مناطق الاهوار اليوم..، ويرى العالم الآثاري (وولي) أن البطائح (الاهوار) كانت موجودة في جنوبي العراق منذ زمن بعيد .. إذ انه وجد أثناء حفرياته في تل العبيد الواقع إلى الشمال من أور بحوالي 7 كيلومترات آثارا قديمة تعود إلى حضارات عصر العبيد (4500 ـ 3800 ق. م) وعصر الوكاء ( 3800 ـ 3500 ق.م ) وعصر جمدة نصر ( 3500 ـ 3200 ق.م ) ومنها بعض قطع من الفخار وعليها آثار عيدان البردي (الحلفاء) وتبين له ان هذه الأرض كان يعيش عليها أناس في أكواخ مصنوعة من عيدان القصب والبردي .. ان وجود آثار القصب والبردي لدليل على وجود الاهوار منذ ذلك الوقت إذ أن هذه النباتات توجد حيث توجد الاهوار والمستنقعات . الاهوار وأيام المحنة وفي عام 1991 شهدت الاهوار ثورة شعبية لم تشهد لها المنطقة من مثيل وذلك نتيجة الغضب الذي عم العراق ابان الحرب الرعناء مع الجارة ايران مما دعى الا نظام في العراق الى القيام باكبر حملة للاجتثات بؤر المقاومة في الاهوار التي انطلقت منها شرارة الثورة الشعبانية لتسقط في زمن قياسي اعتى الانظمة الدكتاتورية في العالم الا ان النظام وبمساعدة الحلفاء في الخليج استعاد قوتة واخماد التورة من خلال القصف العشوائي للمدن الا ان المقاومة لم تنتهي بل استمرت واخذت طابعا اكثر تنظيما واعدادا ختى باتت الاهوار ملاذا للاغلب القيادات السياسية في العراق حاليا حيث وجدو في حضن الاهوار الكثيف بالحب حضنا امنا . وقد شهدت الاهوار على نضال الابطال الذين كانو يتربصون بالبعثيون ويوقعون بهم اكبر الخسائر . الا ان التظام بداء بحملة اسماها الحملة الوطنية لاستنهاظ الهمم الجنوبية للزراعة وبداءت المئسات حيث اقامت وزارو الري انذاك بحملة تجفيف الاهوار وتهجير اهلها قسرا من ارضهم التي اودعوها ايام صباهم وافراحهم واحزانهم ويذكر اخد الشيخ محمد العبادي وهو احد الذين عاصرو المحنة ومن المجاهدين بين اعواد القصب والبردي بان النظام اقدم على فصف وحرق كل المدن في الاهوار لطمكس معالم الاهوار السومرية الانة اراد ان يفقد اهل الجنوب هويتهم التي اراد هو وقلمة المزيف عبد الجبار محسن ان يرسخو في اذهان البعث ان اهل الجنوب من اصول هنديو وهم غير عرب فكنا نقاتل بجبهنين الاولى الاهوار وهي ساحة المعركة والثانية هي الاعلام وذلك من خلال ايصال صوتنا للعالم والحمد لله هم زالوا وبقيت الاهوار قلعة الثوار والمجاهدين وعنوانا عن دكتاتورية ذلك النظام المجرم واراد النظام مسح هذه هويتنا السومرية لكن الله شاء . وسقط الصنم وسقط الصنم وبقيت الاهوار شامخة بقصبها وبرديها تشرب من دماء الشهداء لتسموا . عادت الاهور وفق خطط وضعتها وزارة الموارد المائية ومنح قدمتها الدول المانحة قدرت بالمليارات الا انها لم تجد لها على ارض الواقع من تنفيذ وبقيت مجرد خطط على ورق سوى ان التغيير الوحيد الذي طرء على الاهوار هو غمره بالمياة فقط ويبقى السؤال من المسؤول عن جعل الاهوار منطقة سياحية ؟ وهل سيفي المسؤولون بوعودهم التي قطعوها للاهوار ايام المحنة ؟ام هي كلمات ذهبت مع مهب الريح ستبقى التساؤلات تملاء عقولنا حتى نتلمس شيء يمنحنا الامل لكن الاهوار ستبقى معقلا للثوار وملاذا امنا لرجال الحق والكلمة الصادقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق